“التمكين السياسي” للنساء في الوطن العربي
هذا هو المقال الافتتاحي ضمن تدوينات “افاق” في ملف جديد يستكشف الأبعاد الدولية المتعلّقة بالنساء والديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ليلى صالح 4 اب 2024
نساء في غزة، نوفمبر 2023 (المصدر: هيئة الأمم المتحدة للمرأة)
كيف يتداخل تمكين المرأة سياسياً مع أجندة الدعم الدولي للتحول الديمقراطي في العالم العربي؟ ما هي البدائل المحلية المتاحة لضمان وتعميق الأدوار المتنوّعة للمرأة في النضالات الشعبية نحو الاستدامة الديمقراطية؟
في العقود الأخيرة، أصبحت النساء في الجنوب العالمي، بما في ذلك المنطقة العربية، مستهدفة و موجّهة اليها نماذج وسياسات ومساعدات خاصة في منحى جديد لبنية الحوكمة العالمية التي تقودها الغرب. إن مبادرة “المرأة والشباب في الديمقراطية” للاتحاد الأوروبي التي أعلنت في عام 2023، والسياسات الخارجية النسوية المستندة إلى أجندة “المرأة والسلام والأمان” التابعة للأمم المتحدة ,هي أمثلة بارزة. إن التركيز على تعزيز أدوار القيادة السياسية للمرأة والمشاركة السياسية والمدنية الأوسع هو ركن أساسي في توجّهات المساعدات الدولية التي تخص الديمقراطية، وعمليات بناء السلام، والإصلاحات الاقتصادية (النيوليبرالية)، وحتى بعض الجهود نحو التغيير الثقافي والاجتماعي.
مع استمرار المجتمعات المدنية والجماهير العربية في النضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تبرز العديد من الأسئلة عند النظر في انشغالات (استشراقيّة) قديمة جديدة بشأن النساء. لقد نتج عن محاولات الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي في عصر الربيع العربي وما بعده إحياء هذا الاهتمام. يستكشف هذا المقال بعض التوترات الكامنة في التناقضات بين سياسات المساعدة الدولية من جهة، والحاجة الحقيقيّة والملحّة لتسهيل وتوسيع مساهمات النساء المدنيّة والسياسية في المنطقة العربية، من جهة أخرى.
تمكين المرأة من أجل الديمقراطية
من بين الاتجاهات الأكثر وضوحاً في المساعدة الدولية للديمقراطية على مدى العقود الثلاثة الماضية كان التحول الواضح نحو “تمكين المرأة” سياسياً. هذه هي الظاهرة التي تستكشفها ساسكيا بريشنماشر وكاثرين مان في كتابهما الجديد، مساعدات التمكين: تعزيز الديمقراطية والمساواة بين الجنسين في السياسة. لقد أنفقت الهيئات الدولية (هيئة الأمم المتحدة للمرأة، الاتحاد البرلماني الدولي) والهيئات المرتبطة بوزارات الخارجية (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المعهد الوطني الديمقراطي، مؤسسة وستمنستر للديمقراطية، معهد هولندا للديمقراطية متعددة الأحزاب) مليارات الدولارات على هذا الموضوع. تدعم وتدرّب برامجهم التي لا تحصى النساء المرشحات السياسيات، والبرلمانيات، والناخبات، وقادة المجتمع المدني. ومن القضايا التي تبرز في الكتاب ذات أهمية خاصة للمنطقة العربية. وذلك أن المساواة بين الجنسين المعززة في السياسات الرسمية للدول (البرلمانات، الأحزاب السياسية، الحكومات البلدية، إلخ) ليست بالضرورة مرادفة للديمقراطية أو التحول الديمقراطي.
يعزّز هذا الإستنتاج ما ورد في كثير من الأبحاث السابقة التي تظهر كيف يمكن للإصلاحات على مستوى النخبة التي تركز على المؤشرات الكمية لتمثيل المرأة (خاصة “الكوتا”) أن تتجاهل المشاكل الأخرى المرتبطة بالوضع السياسي للنساء. هنا تبقى ولا تمسّ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية أو الحوكمة المركزية، التي تشكير أيضًا الى محدوديّة مشاركة المرأة السياسية . علاوة على ذلك، تقوم الأنظمة ب “الاستيعاب الاستبدادي” لهذه السياسات مما يجعلها مشاركة رمزية لبعض النساء فقط. أاو, قد يتم استخدام الحصص النسائية (الكوتا) في البرلمانات والوزارات، وقوانين تخص المساواة السياسية بين الجنسين، والتشريعات المناهضة للتمييز – وكلها سياسات تشجعها مساعدات “تمكين المرأة سياسياً” – لإخفاء الاستبداد أو التراجع الديمقراطي. قد يسن الديكتاتوريون تدابير “التمكين” بغرض زيادة اشرعيّتهم الدولية والمحلية. يمكن رؤية هذه الإصلاحات على أنها غير مهدّدة بشكل عام لاحتكار الدولة للسلطة. المغرب (24.3% من البرلمانيات نساء) ومصر (27.7% من البرلمانيات نساء) هما مثالين فقط من ضمن أمثلة عربية اخرى لهذا النهج.
تؤكد هذه النتائج على العيوب الكثيرة في تقديم المساعدات الدولية لدفع النساء إلى الأدوار السياسية وتؤكد ما قدّمته لنا الأبحاث العديدة حول المساعدات الديمقراطية وايضا ابحاث حول السياسات المتعلّقة بالنساء والنوع الاجتماعي. منذ عقود, لقد رصد العلماء والنشطاء والمواطنون في الدول العربية ظاهرة “نسوية الدولة” في الوطن العربي. من الجزائر إلى سوريا، من تونس إلى مصر، قام الحكّام العرب بعد الاستقلال ومنذ ذلك الحين بتنفيذ (بعض) السياسات لتحسين وضع المرأة في التعليم والتشغيل. كانت الإصلاحات القانونية التي توسّع حقوق المرأة (مثل قوانين الأحوال الشخصية) أيضًا على الأقل جزئيًا محاولات لإضفاء الشرعية على حكم الرجل الواحد أو الحزب الواحد وفي نفس الوقت استبعاد بعض الخصم السياسي للأنظمة.
إذاً، ما هو الجديد؟ التطوّر الحديث نسبيا هو دمج المساعدات الدولية، والتوصيات الخارجية التي تخص السياسيات، والامتيازات الدبلوماسية المرتبطة في الإصلاحات “الإدماجيّة” التجميلية التي يقوم بها الديكتاتوريون العرب. ليس من المصادفة أن العديد من هؤلاء القادة المستبدّين مدعومون بالمساعدات المالية والعسكرية الدولية (مثل قروض صندوق النقد الدولي، والمساعدات الأوروبية للحد من الهجرة) كأنظمة تابعة للغرب. هذه الظاهرة تعمّق التحدّي الديمقراطي للمجتمعات التي ترزح تحت وطأة البؤس الاقتصادي والحرمان السياسي.
أيّ تمكين؟
تثير الأبحاث التجريبية حول عقبات المساعدات الدولية للديمقراطية والتمكين السياسي للمرأة بعض “الأعلام الحمراء”. تشير إلى المشاكل التي قد تكون مربكة لبيروقراطيات المساعدة وحتى لبعض المنظّمات غير الحكومية الدولية التي تتوسط في تنفيذ الكثير من هذه البرامج وفي توزيع المساعدات. أمّا بالنسبة للأفراد والمجموعات الذين يسعون إلى استدامة ديمقراطية، هناك بعض القضايا الأساسية التي يجب اخذها بعين الإعتبار. إلى أي مدى يدفع التركيز الدولي على المشاركة السياسية للمرأة وعلى القيادة المجتمعية والسياسية للنساء, في اتجاه الاستدامة الديمقراطية؟ هل تعزّز المساعدات الدولية الموجهة لتمكين النساء من قدرة الدول والمجتمعات العربية على بناء واعتماد وإعادة إنتاج القيم والممارسات والمؤسسات التي تساعد على ضمان الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين؟
المشاركة الفعّالة والقيادة للمرأة أمر ضروري في أي ديمقراطية في أي مكان. هذا شيء بديهيّ. لكن كسياقات أمكنة ما بعد استعمارية في الجنوب العالمي التي لا تزال شعوبها تكافح من أجل التحرر حتى بعد عقود من الاستقلال الرسمي، تواجه الدول العربية مشاكل طاغية. على سبيل المثال لا الحصر: الاحتلال والإبادة الجماعية (فلسطين) إلى الصراع المسلح (ليبيا، السودان، سوريا، اليمن) إلى الاقتصادات الفاشلة (لبنان، تونس) إلى الديكتاتورية (في كل مكان) . آخر شيء تحتاجه الجماهير العربية هو أن تعمل نخبتها الفكرية والمدنية والسياسية على استبدال توسيع الإندماج الفعّال والمشاركة السياسية والمساواة بين جميع المواطنين بالظهور (الشكلي) للمرأة في المجال العام. قد يكون تعيين السفيرات، والوزيرات، والبرلمانيات، والعمداء مجديا أو غير ذلك في التحويل الفوقي لجوانب من الثقافة السياسية للمجتمع نحوإدماج أكبر للنساء. لكن هذا ليس بديلاً للاستدامة الديمقراطية أو حتى التنمية الاجتماعية والاقتصادية. يخدم “إدماج النوع الاجتماعي” للديكتاتوريات المستبدّين وشبكات الزبونية التابعة للأأنطمة السلطويّة بشكل يتطابق مع خطاب “الحلفاء” الغربيين وليس أكثر.
لذا، فإن أحد التحديات في العالم العربي هو الإصرار على الأهداف الجوهرية لمشاركة المرأة المدنيّة والسياسية. بمعنى، تجنّب فخ فصل مشاركة المرأة المدنية والحضور السياسي عن أهميتها الديمقراطية والقيم المرتبطة بها. توسيع الإدماج ليشمل جميع الشعب (الديموس)؛ المشاركة المدنية؛ ومناصرة قضايا العدالة الاجتماعية، من المساواة الإقليمية إلى التعليم: هذه كلها أمثلة على الممارسات القائمة على القيم وهي غير قابلة للتفاوض, وهي أعمق وأهم من مجرّد عدد رقمي او نسبة لصانعات السياسات من النساء في الأنظمة التي تئن تحت وطأة الاستبداد. بالإضافة, يجب أن تكون التعبيرات والتجليات لهذه الممارسات المدنيّة مستندة في طبيعة الحال إلى السيادة الشعبية وتقرير المصير. ومن الضروري أيضا أن تطبّق هذه “الشروط” المحلية سواء في حالات الاحتلال، في الحروب الدولية المتعددة، أو في حالات التبعيّة الاقتصادية والسياسية للقوى الإمبريالية الغربية من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي.
من يمكّن؟
ربما السؤال الأهم و الأساسي أكثر من محتوى التمكين يتعلق بأساس “التمكين” نفسه. من يمكّن من، ولماذا؟ يجب قراءة البرامج التي تسعى الى تمكين المرأة سياسياً، على الرغم من أنها موجهة إلى الجنوب العالمي بشكل عام، في سياقه الإقليمي والتاريخي فيما يخص المعرفة الاستشراقية والتدخل الإمبريالي في العالم العربي والإسلامي. يتم “إنقاذ” النساء المسلمات (أو العربيات) ” باستمرار من قبل القوى الغربية التي لديها أهداف استعمارية أو عسكرية: يبقى طرح البروفيسورة ليلى أبو لغد صائب في هذا الصدد. بفضل الزخم الإضافي منذ أن دفعت الثورات العربية النساء في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا وأماكن أخرى نحو الأضواء الإعلامية (الغربية)، قد يكون تمكين النساء سياسياً من أحدث تجليات هذا الإنقاذ.
مع ذلك، لا يكفي النقد لسياسات المساعدات الدولية والغربية. صحيح أن التراجع او “التدهور” الديمقراطي يتجذّر في الجغرافيا العربية. لكن توجد دائماً (في الماضي والحاضر) هوامش لتحدّي السلطوية. تعاني المساعدات والسياسات الدولية والمحلية “من قمة الهرم” من مشاكل وتناقضات لا يمكن إنكارها. ما هي المجالات الأخرى التي قد تكون جديرة بالاهتمام كمواقع لتجارب وإنجازات النساء، التي تصب في الاستدامة الديمقراطية؟ او على العكس، ما هي العقبات أو التحديات التي تواجه النساء فيما يخص المشاركة السياسية ؟ الصراع العنيف، التهميش الاجتماعي والاقتصادي، القيود المؤسسية، انعدام الأمن في المجال العام، بيئات إعلامية معادية: القائمة تطول.
القضيّة هنا أنه لا ينبغي أن يخضع تحليل المكاسب أو العوائق التي تواجه النساء لافتراضات مسبقة أو وصفات جاهزة. بدلاً من ذلك، يجب استخراجها من الداخل، بناءً على سرديات وتفسيرات محليّة للأحداث والتجارب. وفقاً للعديد من المعايير الدولية بما في ذلك مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمية، تتخلف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن جميع المناطق تقريباً في العالم بالنسبة لمؤشرات مثل التكافؤ بين الجنسين في الاقتصاد والتعليم والصحة والسياسة. لكن المعايير الكميّة – سواء كانت مؤشراً للتقدم أو التراجع النسبي – لا تروي القصة كاملة. الاعتماد الكلّي على هذه الأرقام دون المعرفة المستندة إلى الواقع قد يدعو إلى الوصاية الخارجية: ويحصل ذلك بلا شك.
هذا لا يعني التقليل من شأن التقدم الانتخابي والحزبي أو البرلماني للنساء، على سبيل المثال في تونس مع تجربتها الديمقراطية الأطول في المنطقة. من المهم توثيق وتحليل تجارب النساء في البرلمان والأحزاب السياسية والحكومة المحلية من أجل استلهام “الدروس” عن التعلم الديمقراطي والتعلّم العكسي. المغزى هنا أن التركيز على الانتخابات و السياسات الرسمية غير كافٍ، كما يوضّح لنا أي تصوّر نقدي للديمقراطية والتحوّل الديمقراطي. هذه إحدى الثغرات الكبرى في العديد من الروايات عن النساء و الديمقراطية، وغالباً ما يتردد صداها وتتقاطع مع السياسات الغربية للمساعدات من أجل التمكين.
انتخابات البرلمان المصري، ديسمبر 2011 (المصدر: هيئة الأمم المتحدة للمرأة)
المعرفة الديمقراطية (للنساء)
بما أنها تبقى المقاربة المؤسسية المحضة لقضية النساء والديمقراطية محدودة، فإن العدسة الموجهة حصريا نحو الجهات المانحة للمساعدات الديمقراطية غير مكتملة. التحقيق في المعرفة الديمقراطية المرتبطة بالمشاركة المدنية والعامة للنساء (والرجال)، في أشكالها التاريخية أو المعاصرة، هو جزء من مشروع ممتد ل “المعرفة المقابلة” الساعي إلى دحض السرديات الاستشراقية. أن النساء كن في طليعة انتفاضات وثورات الربيع العربي هي ظاهرة لا يمكن نسيانها. علو الصعيد العملي وله تأثير سياسي أكبر، يمكن ان يساعد ايضا استكشاف وتعزيز هذه المعرفة الديمقراطية في توليد عصف ذهني جماعي ومقارن لحل المشكلات والإبتكار السياسي. هناك حاجة ملحة للحفاظ على وتعزيز المشاركة المدنية والسياسية الفعلية للنساء. فمن الممكن مثلا ان يساعد رصد وتوثيق وإعادة صياغة أدوار النساء في الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار والحركات المناهضة للسلطوية بعد الاستعمار، في رسم الجذور التاريخية والثقافية لمشاركة النساء في الحياة العامة والسياسة في الوطن العربي..
قد يعين القيام بذلك النشطاء والمفكرين العرب في استعادة زمام الأمور من الإهتمام المعلن بمشاركة النساء المدنية والسياسية من ثمثّلاته في “النسوية التبشيرية“. ويمكن أيضًا أن يزيد تعميق فهم المعرفة الديمقراطية المحلية من تأثير الناشطات النساء أنفسهن (بعضهن يعرفن على أنفسهن كنسويات، وبعضهن لا) ومنظمات المجتمع المدني النسائية (سواء كانت على المستوى الشعبي أو المنظمات المرخّصة رسميا) في تفاعلهم مع الجهات المانحة والمقدّمة لبرامج المساعدات الديمقراطية. لا يجب ان يكون التعلم أحادي من جهة واحدة او ومن الأعلى إلى الأسفل (من الغرب الى البقيّة) فقط. يمكن تحدي الافتراض بأن الجهات الفاعلة بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المعهد الوطني الديمقراطي، معاهد الديمقراطية متعددة الأحزاب يجب, أن “تلقّن دروسا” للجماهير العربية النسائية المتحمّسة والخاضعة. لا غنى عن النهج المحلي في المعرفة الديمقراطية بشقّيها النظري والتطبيقي. يمكن بهذه الطريقة تعزيز مداخلات واسهامات المجتمع المدني العربي في علاقتهم مع المانحين الدوليين في وضع الأجندات وتصميم البرامج وتقييم النتائج المتعلقة بالتمكين السياسي للمرأة – أو أي هدف آخر..
لذا، من الضروري أن يجمّع ويشارك النشطاء والمفكرون والتجمعات المدنية والسياسية في العالم العربي بعضهم البعض ذكرياتهم وخبراتهم وشبكاتهم ومواردهم الملموسة وغير الملموسة. فقط بهذه الطريقة يمكننا الوصول الى أرضية مشتركة، والتعميق في المعرفة لتحليل وكشف واكتشاف ما نجح وما لم ينجح بالتجارب بشكل منهجي. بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما على اندلاع الربيع العربي، هناك الكثير من الأضرار التي يجب تقييمها ولكن أيضًا العديد من المكاسب للإحتفاظ بها والبناء عليها. تأصيل تمكين المرأة السياسي هنا، في المشروع الأكبر للاستدامة الديمقراطية الموجّهة من الأسفل إلى الأعلى، يمكن بدوره أن يضمن تقدّمه واستدامته .
تواجه المنطقة العربية وشعوبها أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متعدّدة ومتراكمة، من النزاعات المسلّحة إلى الركود الديمقراطي إلى الكوارث الاقتصادية. ليس من المستغرب أن تكون برامج وبروتوكولات وإعلانات دعم الديمقراطية الغربية/الدولية قد فقدت مصداقيتها. وينطبق ذلك ايضا على المخططات والبرامج الكبرى لتمكين المرأة سياسيا. وتزيد الأحداث الحالية الطين بلّة كما يقال. كيف يمكن للدول الأوروبية أو الولايات المتحدة “تمكين” النساء العربيات بينما تقصف قنابلهم التي وزنها 500 أو 2000 باوند النساء والأطفال والرجال في غزة؟
مثل هذا التناقض هو أكثر من مجرد عدم تطابق بين المواقف الدبلوماسية وتوجّهات البيروقراطيات التنموية. البرامج والسياسات التي تستند إلى مبادئ قيميّة ومعيارية (المواطنية النشطة والمساواة السياسية للنساء) ملوثّة بمواقف غير أخلاقية التي تقوم باحتلال الدول او تسانده (العراق، سوريا، اليمن) أو تدعم إذا لم تشارك في حروب الإبادة الجماعية (فلسطين). كما أن الديمقراطية العربية لن تأتي من القوى الخارجية، كذلك لن يأتي تمكين المرأة السياسي. لم تكن وكالات المساعدات الدولية هي التي أطلقت الربيع العربي حيث ثارت النساء ضد الديكتاتورية سوية مع الرجال. لن تكون وكالات المساعدة الدولية بقيادة الولايات المتحدة، أو أي من حلفائها في الاتحاد الأوروبي، هي التي تحمي الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء أو تعزز مشاركتهن في بناء وصيانة الديمقراطية المستدامة.